حالياً، يوجد ما يقرب من 70,000 شخص على قوائم إنتظار التبرع بالأعضاء في الولايات المتحدة وحدها. حلم الطباعة الحيوية هو أنه في يوم من الأيام، بدلاً من انتظار متبرع، يمكن بناء وزراعة الأنسجة الحيوية مثل الكلى للمريض بإستخدام الخلايا الحية وتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد. لكن إحدى مشكلات هذا الحلم هي أن الطباعة الحيوية (بناء الأعضاء الحيوية) تكون عادة خارج الجسم وتتطلب بالضرورة جراحة عميقة لزراعتها داخل الجسم. وهذا يعني فتح شقوق وجروح كبيرة في الجسم. هذه الجروح العميقة والكبيرة تزيد خطر الإصابة بالإلتهابات (العدوى البكتيرية) مما يؤدي إلى زيادة وقت وتكلفة الشفاء للمرضى. سيضطر الأطباء أيضًا إلى تأجيل الجراحة حتى تتم عملية بناء العضو الحيوي الضرورية خارجياً باستخدام الطابعة ثلاثية الأبعاد، وقد لا يكون لدى المرضى الوقت الكافي لبدء عملية البناء والجراحة.
يمكن توفير طريقة لحل هذه المشكلة عن طريق الحبر الحيوي الجديد المعروف بـ ” البيو-إنك”، الذي يتكون من خلايا حية معلقة في جل هلامي (مادة تشبه في تركيبتها الجل المستخدم كمثبت تجميلي للشعر). يتكون الحبر الحيوي (البيو-إنك) من مواد امنة للإستخدام داخل جسم الانسان وهدفه تمكين إتمام عملية الطباعة ثلاثية الأبعاد في الجسم، أي بناء العضو الحيوي داخل الجسم وليس خارجه. يمكن للأطباء زراعة أجزاء حية داخل المرضى من خلال فتح شقوق جراحات صغيرة بإستخدام تقنيات جراحية طفيفة تشبه عمليات المنظار. قد يكون هذا الخيار أكثر أمانًا وأسرع من الجراحة العميقة والكبيرة.
أحد التحديات التي تواجه تطبيق تكنولوجيا الطباعة الحيوية داخل الجسم هو أن الأحبار الحيوية الحالية “البيو-إنك” المستخدمة غالبًا ما تتطلب إستخدام الأشعة فوق البنفسجية من أجل أن تتصلب لتأخذ الشكل المطلوب، ولكن الأشعة فوق البنفسجية يمكن أن تضر بالأعضاء الداخلية للجسم. هناك مشكلة أخرى وهي كيفية ربط الأنسجة المطبوعة بفعالية بالأعضاء والأنسجة الحية اللينة المحيطة.
وطبقاً لدراسة جديدة نُشرت في مجلة (بيوفابريكشن)، طور الباحثون حبرًا بيولوجيًا “بيو-إنك”” يمكن أن يجعلوه يتصلب (يأخذ شكله النهائي) باستخدام الضوء المرئي. علاوة على ذلك، كان الحبر قابلاً للطباعة في مختلف أنواع درجات الحرارة الموجودة داخل الجسم، يقول المؤلف الرئيسي للدراسة (ديفد هولزل)، وهو مهندس ميكانيكي في جامعة ولاية أوهايو: كانت الأحبار الحيوية السابقة التقليدية سائلة جدًا في درجة حرارة الجسم بحيث لا تحتفظ بشكلها المطلوب عند طباعتها.
استخدم العلماء فوهة طباعة ثلاثية الأبعاد مثبتة على روبوت. هذه الطريقة تقوم ببناء وتشكيل الحبر الحيوي تماما كأنبوب الايس كريم او المثلجات عندما تضغط عليه ويخرج الايس كريم في خطوط واشكال ولكن بطريقة يمكن التحكم فيها وقابلة للبرمجة. جرب الباحثون الطباعة الحيوية على المواد اللينة، مثل شرائط صدور الدجاج الخام وجل هلامي. قاموا أولاً بتثقيب أسطح هذه المواد بواسطة الفوهة الحادة للجهاز المستخدم، ثم أدخلوا مقبض صغير في المساحة التي تم ثقبها، بعد ذلك قاموا بسحب الفوهة ببطء مع إفراز المادة الهلامية التي تحتوي الحبر الحيوي (البيو-إنك)، تاركين خلفهم خيوط من البيو-إنك تشكل الأعضاء/الأنسجة التي يمكنهم تركها داخل الجسم.
يقول ديفد هولزل إن النتوءات والخيوط التي تركت تحت السطح ثبتت الهيكل المطبوع داخل الجسم، حيث تشبه إلى حدٍ ما صقالات البناء ، “ولكن بنوع مختلف من المواد وبمرونة أكبر لتشكيل المادة”.
جعل العلماء الهياكل والاعضاء المطبوعة بيولوجياً مسامية للسماح للخلايا بالتمركز بها و لتسمح بمرور السوائل التي تحمل المغذيات والأكسجين والجزيئات الأخرى اللازمة لحياة الخلايا. يبقي ما يصل إلى ٧٧ في المائة من الخلايا المستخدمة في الحبر الحيوي في الهياكل أو الأعضاء بعد ٢١ يومًا على قيد الحياة داخل النسيج الحيوي المطبوع (بين النتوءات والخيوط)، ووجد الباحثون أن طريقتهم في إستخدام التشابك بين الخيوط المطبوعة أدت إلى زيادة تصل إلى أربعة أضعاف في قوة الالتصاق بين الخلايا والنسيج المطبوع.
كما أشار هولزل إلى أنه يمكنهم بالتأكيد تحسين التثبيت والتصاق الخلايا لتعزيز التصاق العضو المزروع بالجسم والأنسجة المحيطة به. فيقول: “تمامًا مثل أنماط الخياطة المختلفة للمنسوجات كل طريقة حياكة تختلف عن الاخرى في مدى القوة عن غيرها، فلا بد أن تكون هناك أنماط متشابكة مختلفة تحسن من هذه النتائج”.
يحذر الباحثون من أنهم لا يهدفون إلى طباعة قلب كامل أو كلية كاملة في الجسم بطريقتهم الجراحية البسيطة. حيث أكد الباحثون أنه حتى الطرق التقليدية لإنتاج خلايا حية عن طريق هندسة الأنسجة تبعد سنوات عن هذا الإنجاز الطموح. لكن الإنجازات في هذا المجال تتسارع.
يتوقع العلماء أن الطباعة الحيوية داخل الجسم ستتم باستخدام أدوات الجراحة الآلية (باستخدام الروبوت). يقول هولزل: “في عملية الجراحة الروبوتية النموذجية، يقوم الجراح بتشغيل أربعة أذرع، اثنان منها في وقت واحد” كما أوضح. “لكل ذراع أداة قابلة للتبديل، لذلك يمكن للجراح تبديل الأدوات إعتمادًا على ما يحتاجه في وقت الجراحة. ونحن نتصور أداة الطباعة الحيوية والحبر الحيوي معها (البيو-إنك) كأداة أخرى في مجموعة أدوات الجراح “.
يعمل هولزل وزملاؤه حاليًا على تطوير الجيل الأول من أداة الطباعة الحيوية قابلة للإستخدام في الجراحة الروبوتية، ويهدفون إلى الاعلان عنها قبل نهاية هذا العام ٢٠٢١، علما أنه قال “سنقوم بذلك على الرغم من أن القيود البحثية جراء انتشار فيروس كورونا المستجد تبطئنا”.